فصل: في وقت إيقاع الطلاق عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.كتاب الرضاع:

وفيه أربعة أبواب:

.الباب الأول: في أركانه:

وهي ثلاثة:

.(الركن) الأول: المرضعة:

وهي المرأة، فلا حكم للبن البهيمة، ولا لبن الرجل. وحكى الشيخ أبو إسحاق رواية كراهية نكاح من أرضعه الذكور.
ويحرم لبن الميتة.
وقال الشيخ أبو إسحاق: المص عن ثدي الميتة يحرم، وفحله أبوه. وقد قيل: لا يحرم، ولا فحل له.
ويحرم لبن البكر واليائسة من الحيض، وغير الموطوءة، والصبية. وقد قيل: ما لم ينقص سن الصبية عن سن من توطأ.

.الركن الثاني: في اللبن:

والمعتبر وصول عينه، سواء كان صرفاً أو مخلوطاً بمائع، ما لم يصر مغلوباً فلا يعتبر. وروي عن عبد الملك بن الماجشون ومطرف أنه يعتبر، وسواء في إيصاله الرضاع والوَجور.
وهذا إذا كان ما يخرج من الثدي لبنا، فلو كان ماء أصفر أو غيره مما ليس بغذاء، ولا يغني عن الطعام، فلا يحرم، قاله ابن القاسم في كتاب ابن سحنون.

.الركن الثالث: المحل:

وهو جوف الصبي المحتاج للرضاع. فلا أثر للإيصال إلى جوف الكبير، أعني بعد الحولين بمدة بعيدة، وإن كان بمدة قريبة، والطفل مستمر الرضاع حرم.
وفي تحديد المدة القريبة خلاف، قال في المختصر: إلا أن يكون بعد الحولين بأيام يسيرة.
وقال في الحاوي: مثل نقصان الشهور. وإليه ذهب سحنون.
وقال القاضي أبو الحسن: واستحسن مالك أن يحرم ما بعدهما إلى الشهر.
وقال في الكتاب: إنما ينظر إلى الحولين والشهر والشهرين بعد الحولين. وروى الوليد بن مسلم في مختصر ما ليس في المختصر، أنه يحرم إلى ثلاثة أشهر.
ولا أثر للإيصال إلى جوف المستغني، فلو ارتضع في الحولين بعد استغنائه بالغذاء عن اللبن، لم تنتشر الحرمة، إلا أن تكون زمن الرضاع قريباً من زمن الاستغناء، فيكون حكمه حكمه.
وقال مطرف وابن الماجشون وأصبغ في كتاب ابن حبيب: تنتشر ما دام في الحولين.
وأما الحقنة والسعوط، وما يدخل من غير منفذ الطعام من المنافذ، ففيه خلاف، يرجع إلى أنه يحرم إذا تحقق وصوله إلى المعدة.
وليس من شرط تحريم الرضاع العدد، بل تحرم المصة الواحدة بظاهر القرآن.

.الباب الثاني: فيمن يحرم من الرضاع:

ويحرم بالرضاع أصول وفروع.
فالأصول الثلاثة: المرضعة وهي الأم. وزوجها وهو الأب. والمرتضع وهو الولد. ومنهم تنتشر الحرمة إلى الأطراف. ثم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
بيانه، أنه إذا حرمت المرضعة على الرضيع، حرم عليه أمهاتها نسباً ورضاعاً، فإنهن جدات، وأخواتها نسباً ورضاعاً، فإنهن خالات، وأولادها من الجهتين إخوة. وكذلك أولاد الإخوة. وكذلك أولاد الرضيع أحفاد المرضعة.
ولا تحرم المرضعة على أب المرتضع، ولا على أخيه. وكذلك زوج المرضعة أبو المرتضع وأبوه جده، وأخوه عم، وولده أخ، وعلى هذا القياس. ولا يعتبر أن يكون اللبن من وطء حلال على أشهر الروايتين.
والقول الضابط في ذلك أن كل وطء يلحق فيه الولد، ويدرأ الحد، فالحرمة تنتشر به، وإن كان الحد واجباً، والولد غير لاحق فلا ينشر.
وحيث لا يلحق ولد، ولا يجب حد، فهل ينشر الحرمة أم لا؟. روايتان الأخيرة منهما: أنها ينشر. وهذا كله في حق الواطئ. أما المرضعة، فهي أمه على كل حال.
ولو وطئت المنكوحة بالشبهة، وأتت بولد يحتمل أن يكون منهما فأرضعت صغيرة، فهي ولد من يثبت له نسب الولد.
وقال محمد: تحرم عليهما.
ولو كان لبن المطلقة داراً، فرضيعها ابن المطلق ولو بعد عشر سنين إلى أن ينقطع لبنها، ثم يحدث لها لبن آخر، فإذ ذاك ينقطع نسبه عنه. وقيل: ينقطع الوطء زوج ثان، وإن دام لبن الأول.
وإذا فرعنا على الأول فولدت، أو حملت، فقيل: ينقطع بالحمل. وفي مختصر الوقار: بالولادة ينقطع حكم الأول. وفي كتاب محمد: لا ينقطع إلا بانقطاعه. ثم حيث لم يحكم بانقطاعه، فالولد لهما.

.الباب الثالث: في الرضاع القاطع للنكاح، وحكم الصداق:

ويشتمل على أصلين: أحدهما: في حكم الصداق، والثاني: في التفاف المصاهرة بالرضاع.
الأول: في حكم الصداق. وإذا كان تحته صغيرتان، فأرضعتهما أمه أو أخته حرمتا.
ولو أرضعتهما أجنبية حرم عليه الجمع بينهما لأنهما أختان، ولا يجب عليه صداق لهما على المشهور.
أما إذا كان تحته صغيرة وكبيرة، فأرضعت أم الكبيرة الصغيرة حتى صارتا أختين، حرم الجمع بينهما، فيفارق إحداهما، ولا يكون لها صداق. وقيل: يكون لها نصف الصداق.
وقيل: ربعه. وهو كالخلاف في حكم الكافر يسلم على أختين. ثم لا غرم على المرضعة وإن تعدت على المنصوص.
واستقرأ أبو الحسن اللخمي ما استحق من الصداق على من تعمد الإرضاع.
ولو نامت، فدبت إليها الصغيرة فارتضعت، انتشرت الحرمة بذلك ولا غرم، قولاً واحداً.
الأصل الثاني: في التفاف المصاهرة بالرضاع.
فمن نكح رضيعة حرم عليه مرضعتها، لأنها أم زوجته. كذلك لو أبان صغيرة، حرم عليه من أرضعها بعد طلاقه، ولا نظر إلى التاريخ في ذلك.
ولو نكحت المطلقة صغيراً وأرضعته بلبان الزوج، حرمت المرضعة على المطلق، لأنها صارت زوجة الرضيع، وهو ابن المطلق. وكذلك المستولدة.
ولو نكح زيد كبيرة، وعمرو صغيرة، ثم نكح كل واحد زوجة صاحبه، فأرضعت الكبيرة الصغيرة، حرمت الكبيرة عليهما، لأنها أم الصغيرة التي كانت زوجتهما، وأما الصغيرة فربيبته، فينظر إلى الكبيرة أمدخول بها أم لا؟
فروع: الأول: إذا كان تحته كبيرة وصغيرة، فأرضعتها الكبيرة بلبانه، حرمتا أبداً، لأن الكبيرة أم زوجة، والصغيرة بنت. فإن كان بلبان غيره لم تصر الصغيرة بنتاً، بل ربيبة، فإن كانت الكبيرة مدخولاً بها حرمتا عليه، الكبيرة لكونها من أمهات نسائه، والرضيعة لأنها ربيبة مدخول بأمها، وإن كانت غير مدخول بها حرمت لكونها من أمهات نسائه، ولم تحرم الصغيرة بكونها ربيبة إذ لم يدخل بأمها.
الثاني: لو كان مع الكبيرة ثلاث صغائر، فأوجرتهن لبنها المحلوب في دفعة، وكان اللبن لغيره، فإن كانت الكبرى مدخولاً بها، حرم الجميع على التأبيد، إذ الكبرى من أمهات نسائه، والأصاغر من الربائب المدخول بأمهن، وإن كانت غير مدخول بها حرمت، وحرم الجمع بين الأصاغر للأخوة بينهن، فيختار منهن من شاء واحدة فقط.
ولو كان اللبن له، لحرمن على التأبيد، دخل بها أو لم يدخل.
الثالث: تحته كبيرة، وثلاث صغائر، وللكبيرة ثلاث بنات، أرضعت كل واحدة صغيرة، صارت الكبيرة جدة الصغائر، وحرمت على التأبيد.
وأما الصغائر فصرن ربائب، فيحرمن على التأبيد إن كان ذلك بعد الدخول بالكبيرة.

.الباب الرابع: في النزاع والنظر في الدعوى والشهادة:

أما الدعوى، فإن توافقا على الرضاع، أعني الزوجين، اندفع النكاح ولا مهر، إلا أن يكون دخل بها.
وإن ادعى الزوج وأنكرت، اندفع النكاح ولا صداق، إن كان ذلك سمع منه قبل العقد، وإن كان إنما سمع منه بعد العقد، فعليه جميع الصداق إن كان بعد الدخول، وإن كان قبله فنصفه.
وإذا ادعت هي وأنكر الزوج، لم يندفع النكاح، إلا أن يشهد بسماع ذلك منها قبل العقد، أو يصدقها، ولا تقدم على طلب المهر، إلا أن يكون دخل بها.
وإقرار أبوي الزوجين قبل النكاح كإقرارهما، ويفسخ النكاح بجميع ذلك. قال ابن حبيب: اجتمع على هذا مالك وأصحابه. قال: فأما بعد النكاح، فلا يقبل، إلا أن يتنزه عنها، إلا في قول الزوج وحده، فإنه يقر على نفسه.
وأما الشهادة، فتثبت بقول شاهدين، ويمنع من النكاح ابتداء، ويفرق بين الزوجين إذا تناكحا. فإن شهدت امرأتان، وفشا ذلك من قولهما كان كالأول، فإن لم يفش من قولهما، لم يستقل بذلك الحكم، كما يستقل بالشاهدين.
وقال ابن حبيب: ذهب مطرف وابن الماجشون وابن نافع وابن وهب إلى أنه يستقل بشهادة المرأتين، أو الرجل والمرأة الواحدة إذا قاموا حين علموا بالنكاح، ولم تأت عليهم حال يتهمون فيها.
وقاله أصبغ: وعليه جماعة الناس.
وإن شهدت واحدة، فإن لم يفش من قولها لم تنتشر الحرمة، وإن فشا، فهل تنتشر أم لا؟ فيه خلاف.
ثم حيث قلنا: لا تنتشر الحرمة بالشهادة، فإنه يستحب التنزه، ولو في شهادة المرأة الواحدة وإن لم يفش ذلك من قولها.
واختلف أيضاً في أن أم أحد الزوجين كالأجنبية، أو أرفع منها، فتقع التفرقة بقولها لنفي التهمة، وأن ذلك إنما يعلم من قولها.
وكذلك أبو الزوجة أو الزوج، هل هو كالأجنبي، إذا لم يتول العقد أم لا؟ فإن كان هو متوليه، كان الزوج أو الزوجة. وإذا أخبر ثم تولاه فسخ، فإن لم يفسخ حتى كبر الولد وصار الحكم إليه، فهل يفسخ نظراً إلى تولية أو لا يفسخ، ويكون شاهداً نظراً إلى الحال؟ فيه خلاف.
بسم الله الرحمن الرحيم

.كتاب النفقات:

.وأسبابها:

ثلاثة:
النكاح، والقرابة، والملك.

.السبب الأول: النكاح:

وهو موجب بشروط: التمكين. وبلوغ الزوج، وإطاقة الزوجة للوطء. ولا يشترط في الزوجة البلوغ. وقيل: يلزمه الدخول والنفقة وإن لم يحتلم إذا بلغ الوطء.
ثم في:

.تفصيل أحكام نفقة المنكوحة:

ثلاثة أبواب:

.الباب الأول: في قدر النفقة وكيفيتها:

وفيه فصلان:

.الفصل الأول: في واجبات النفقة:

وهي ستة:

.(الواجب) الأول: الطعام:

وهو يختلف بحسب اختلاف أحوال الأزواج والزوجات، واختلاف البلاد.
وقال مالك رحمه الله: والاعتبار في النفقات بقدر حال المرأة وحال الزوج في يسر أو إعسار، ولها من النفقة ما يكفيها.
قال ابن القاسم: رب رجل ضعيف وسعر غال، فيكون الوسط من الشبع على قدر حال الوقت والزوجين، وقد قال مالك: المد. وقدر غيره من أصحابه مداً وثلثاً.
وقال ابن القاسم: يفرض لها في الشهر ويبتان ونصف إلى ثلاث ويبات، وفي ويبتين ونصف مكفاة.
قال ابن حبيب: وفي الويبة اثنان وعشرون مداً بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حبيب: وأرى قفيز بالقرطبي وسطاً عندنا في الشهر، وفيه أربعة وأربعون مداً.
قال محمد في قول ابن القاسم: ليس هذا في كل إنسان ولا كل وقت، رب رجل ضعيف وسعر غال، فتكون ويبتان عليه اجتهاداً. قال: ومد مروان الذي قال مالك: هو عندي وسط من الشبع في الأمصار، هو مد وثلث، وهو قدر ويبتين في الشهر، بالويبة الليثية، وإن مدا بمد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة لوسط من عيشهم.
قال المتأخرون من القرويين: وإنما تكلم ابن القاسم على نفقة أهل مصر. وتكلم مالك رحمه الله على حكم أهل المدينة، فيكون اختلافهم راجعاً إلى اختلاف الأحوال، لا أنه اختلاف أقوال.
وكذلك تختلف الحال في الجنس، فيفرض لها من البر أو الشعير أو الذرة أو التمر أو نحو ذلك من الأقوات ما يشبه عيش الزوجين في العادة في وقتهم ذلك وبلدهم.
وقد روى أشهب في العتبية وكتاب محمد: إذا أراد أن يطعمها الشعير فأبت، فإن كان الناس قد أكلوه، فذلك له، فأما إن كان القمح كثيراً يؤكل وهو شيء واحد، فذلك عليه.

.الواجب الثاني: الأدم:

وهو ما يشبههما أيضاً، ويفرض لها الخل والزيت للأكل، والوقود والحطب واللحم في بعض الأيام، ولا يفرض عليه في كل ليلة، ولكن المرة بعد المرة، ويفرض الماء للشرب والغسل. قال محمد: ويجمع ذلك كله ثمناً، ويدفع مع القمح.
قال: ولا يفرض العسل ولا السمن ولا الحالوم. قال عبد الملك: ولا القطنية ولا ما أشبه هذا من سائر الأدم ولا فاكهة خضراء ولا يابسة.
قال محمد: ولكن الخل والزيت وما لا غنى لها عنه بقدر الرجل والمرأة، ولمشط رأسها ودهنه، وسراجها، وهذا للموسر والمعسر، إلا أن الموسر يزاد عليه بقدرها من قدره.
وإن كان العسر البين، فلا أقل مما تعيش به.
وقد يختلف ذلك، ويكون الرجل يعمل بيديه في قلة كسبه، فيفرض عليه بمصر ويبتان قمح في الشهر، مع حق طحين وخبيز ودريهمات لزيت وماء وحطب. والطبخة بعد الطبخة، وما لابد منه.
وقال في موضع آخر: وما يكون لطحين وخبيز وماء، ودهنها، وحناء رأسها ومشطها.
قيل لمالك: فإن قالت: لا يكفيني ما فرض لي وهي ترضع قال: ليس الموضع كغيرها، وليفرض لها ما تقوى به في الرضاع.

.الواجب الثالث: نفقة الخادم لمن يقتضي منصبها الخدمة:

فإذا كانت المرأة ذات قدر وشرف في نفسها وصداقها، والزوج ملي، فليس عليها من خدمة بيتها شيء، لا غزل ولا نسج ولا طحين ولا طبخ ولا كنس ولا غيره، وعليه أن يخدمها.
فإن كانت إلى الضعة ما هي في نفسها وصداقها، وليس فيه ما يشتري به خادم، فليس على الزوج أن يخدمها، وعليها الخدمة الباطنة من عجن، وطبخ وكنس وفرش واستسقاء ماء إذا كان الماء معها، وعمل البيت كله. وإن كان زوجها ملياً، إلا أنه في الحال مثلها أو أشف، ما لم يكن من أشراف الناس الذين لا يمتهنون نساءهم في الخدمة، وإن كن دونهم في القدر.
وأما الغزل والنسج، فليس له ذلك عليها بحال، إلا أن تطوع.
وإذا كان معسراً، فليس عليه إخدامها وإن كانت ذات قدر وشرف، وعليها الخدمة الباطنة، كما هي على الدنية.
قال ابن خويز منداد: على المرأة أن تخدم خدمة مثلها، فإن كانت ذات قدر ومنزلة، فخدمتها الأمر والنهي في مصالح المنزل، وإن كانت دنية، فعليها أن تضم البيت، وتفرش الفراش، وتطبخ القدر، وإن كانت عادة البلد أن تستقي النساء الماء فعليها.
فروع: الأول: حيث أوجبنا الخدمة على الزوج فلا يجب عليه شراء خادم وتمليكها، ولكن يجب عليه أن يأتيها بخادم تخدمها. وإن أحب أن يستأجر لها من يخدمها من الحرائر كان ذلك له، ثم للخادمة ما يقوم بأودها مما يليق بمثلها.
الفرع الثاني:
لو أراد أن يبدل خادمتها المألوفة لم يكن له ذلك، ولزمه الإنفاق عليها، إلا أن تظهر ريبة.
الفرع الثالث:
: لو كان هو وهي بحيث يخدمها خادمان فأكثر فروى سحنون عن ابن القاسم: يفرض لها نفقة خادم واحدة.
وروى أصبغ عنه أنه قال: يؤدي الرجل زكاة الفطر عن خادمين من خدم امرأته إذا كان لها غنى وشرف.
قال أصبغ: وذلك عندي حسن، لأن مثل هذه لا تكفي لخدمتها خادم واحدة، ولو ارتفع قدرها جداً، مثل بنت السلطان العظيم، لرأيت أن يزاد في عدد الخدم إلى الأربع والخمس، ويلزم الزوج الإنفاق عليهن، وإخراج زكاة الفطر عنهن.
قال محمد بن أبي زمنين: قال لنا إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون ما قاله أصبغ إذا طالبها بما تكثر به الخدمة في نفسها وبيتها وزينتها وملوكيتها ويحملها على ذلك ويرغبه منها، وأما إذا لم يرغب ذلك منها، وكان منزعه بنفسه إلى القصد، وعرف منه، لم يلزمه إلا خادم واحدة.
الفرع الرابع:
حيث قلنا: لا يلزمه إلا خادم واحدة، إما تفريعاً على القول الأول، وإما لأنها ممن لا تستحق أكثر من الواحدة، فللزوج أن يخرج سائر خدمها سوى من تستحقه منهن.
إذ ليس عليه سكناهن.
وليس للزوج منع أبوي المرأة وولدها من غيره أن يدخلوا إليها. وإن حلف على ذلك أحنث.
ولا ينبغي له أن يمنعها من الخروج إلى أبويها في لوازم الحقوق، لكن إن حلف على ذلك لم يحنث.
قال عبد الملك: ولو كان لها خادم لكانت مخيرة في استخدامها ومطالبته بنفقتها، أو مطالبته بخادمة. قال عبد الملك: وإن كان للمرأة ولد صغير أو أولاد صغار، فرض لها السلطان لهم نفقتهم، وما يصلح مثلهم، ويضم ذلك لهم مع نفقة أمهم، فكانت واحدة، إلا أن يكون مضراً بالزوج لقلة ذات يده، فلا يضمون معها في النفقة. وينفق على ولده على قدر طاقته، لأن الرجل إذا لم يجد ما ينفق على ولده لم يكلف لهم شيئاً، وكانوا من فقراء المسلمين.

.الواجب الرابع: الكسوة:

وهي ما يناسب حاله وحالها في العادة، هذا هو المعتبر، إلا أنا ننقل بعض ألفاظ الأصحاب للتأنس بها.
وقال بعضهم: وذلك قميص ووقاية وقناع، وهي من الجودة والرداءة على قدرهما. قال: ويزاد في الشتاء ما يدفع البرد.
قال ابن القاسم: عليه ما يصلح للشتاء والصيف من قميص وجبة وخمار ومقنعة، والوسادة والسبنية والإزار وشبه ذلك مما لا غنى عنه. قال: ولا بد مع ذلك من الغطاء والوطاء، وذلك ملحفة وفراش ووسادة، ويزاد في الشتاء ما يدفع البرد.
قال ابن القاسم: والسرير في الوقت الذي يحتاج إليه لخوف العقارب وشبهها.
قال ابن حبيب: أو براغيث أو فأر. قال ابن القاسم: وإن كان مثلها تلبس القطن، ومثله يقدر عليه، فرض عليه.
قال أشهب: ومنهن من لو كساها الصوف أنصف، وأخرى لو كساها الصوف أدب، وذلك على قدر أقدارهن.
ونص مالك على أنه لا يلزمه الحرير، وإن كان متسع الحال. وأجراه ابن القاسم على ظاهره.
وتأوله القاضي أبو الحسن على أن ذلك بالمدينة، وهم أهل قناعة، وألزمه في غيرها إذا كان العادة.
قال بعض المتأخرين: وأصل هذا كله أن كل ما هو ضروري أو محتاج فإنه يفرض، وما ليس بضروري ولا حاجة تدعو إليه، وهو زيادة في معنى السرف فلا يفرض.
وكل ما يختص به الأملياء، وهو من التوسع الذي يكاد يكون في حقهم محتاجاً إليه، ففيه قولان.
قال: وهذا ينبغي أن يكون خلافاً في حال.
وقال عبد الملك بن الماجشون: إن كانت الزوجة حديثة عهد بدخولها عليه، وكانت شورتها التي شورت بها من صداقها عندها، فليس عليه لها سوى ذلك، لا في ملبس ولا في غطاء، ولا في وطاء، بل له عليها الاستمتاع بذلك معها، لا كلام لها فيه. ولهذا يصدق الرجال نساءهم ما أصدقوهن.
قال: وإن كان العهد قد قال بهما حتى خلقت الشورة وذهبت، أو كانت ممن لم يكن لها في صداقها ما تتشور به لقلة ذلك، فعليه لها كسوتها للشتاء والصيف مما لا غنى للنساء عنه في ليلهن ونهارهن وشتائهن وصيفهن على أقدارهن وأقدار أزواجهن.
قال: ونرى أن الوسط مما يفرض للمرأة من ذلك على زوجها فراش تنام عليه، ومرفقة تضع عليها رأسها، وإزار تستشعره، ولحاف تلتحفه، ولبد تفترشه على فراشها في الشتاء، وسرير يكون عليه فراشها.
وقال ابن حبيب: إن كان بموضع لا غنى عنه لعقارب أو حيات أو براغيث أو فأر. وإلا فلا سرير عليه.
قال عبد الملك: وعليه من اللباس قميص تستشعره، وفرو على القميص لشتائها من لباس مثلها، وقميص يواري الفرو، وخمار ومقنعة وخفان. ثم يجدد ذلك لها متى خلق شيء منه، ولم يكن فيه منتفع، والدهن لرأسها.
قال: وأما سوى ذلك من الكحل والحناء والصباغ، فليس عليه من ذلك شيء وإنما هو عليها إن أحبته.

.الواجب الخامس: آلة التنظف.

قال ابن المواز: عليه حناء رأسها.
وقال ابن حبيب: عليه دهن رأسها، ويسير حناء ومشط وكحل. وروى ابن المواز عن ابن القاسم: ليس عليه نضوح ولا صباغ ولا المشط ولا المكحلة. وروى يحيى عن ابن وهب: ليس عليه الطيب ولا الزعفران، ولا خضاب اليدين والرجلين.
قال القاضي أبو الوليد: معنى ذلك عندي أنه ليس عليه من زينتها إلا ما تستضر بتركها إياه، كالكحل الذي يضر تركه ببصر من يعتاده، والمشط بالحناء، والدهن لمن اعتاد ذلك، لأن تركه لمن اعتاده يفسد الشعر. قال: والذي نفى ابن القاسم إنما هو المكحلة، ولم ينف الكحل نفسه، فتضمن القولان أن الكحل يلزمه دون المكحلة. قال: وعلى هذا يلزمه ما تمتشط به من الدهن والحناء دون الآلة التي يمشط بها.
ولا تستحق الدواء للمرض، ولا أجرة الحجامة، وعليه أجرة القابلة عند أصبغ مطلقاً، ووافقه ابن المواز إذا كانت المنفعة بها للولد. قال: فأما إن كانت لها فعليها، أو لهما فعليها وعلى الزوج.
قال القاضي أبو الوليد: والأظهر قول أصبغ، لأنها مما لا بد منه، كالنفقة والكسوة.

.الواجب السادس: السكنى.

وعليه أن يسكنها مسكناً يليق بها، إما بعارية أو بإجارة أو ملك.

.الفصل الثاني: في كيفية الإنفاق:

أما الطعام فيجب فدعه، وفي جواز أخذ الثمن عنه خلاف، مأخذه أن تحريم بيع الطعام من معارضة قبل قبضه غير معلل فيمنع، أو معلل بالعينة فلا يمنع لعدمها بين الزوجين. ويدفع ثمن ما يصحبه ويصلحه. وليس له أن يكلفها الأكل معه، فإن أكلت معه سقطت نفقتها.
وفرض النفقة من الزمن على قدر ملاء الزوج، فمنهم من يفرض عليه باليوم، ويزاد بقدر اتساع الحال على هذا الترتيب.
قال ابن سحنون في كتابه: سأل حبيب سحنون عن الرجل يكون قليل ذات اليد، ولا يجد ما يجري على امرأته رزق شهر كامل، هل يجري عليها رزق يوم بيوم من خبز السوق، وقد طلبته بالنفقة فقال: نعم يجري عليها رزق يوم بيوم بقدر طاقته.
قيل: فإن كان له جدة، وليس بالملي، فطلب أن يرزقها جمعة بجمعة قال: يجري عليها بقدر ما يرى السلطان من جدته، فمن الناس من يجري يوماً بيوم، ومنهم جمعة بجمعة ومنهم شهراًَ بشهر.
فروع: الأول: إذا خاصمت المرأة زوجها بالنفقة، فقضي لها عليه بها، فقال: أحبسوا لها بقدرها من ديني الذي عليها. فإن كانت معسرة فليس له ذلك، وقضي عليه بالنفقة، ويتبعها بالدين، وإن كانت موسرة، فله مقاصتها بالنفقة مما له عليها.
الفرع الثاني:
إذا غاب زوجها فطلبت النفقة، وله مال حاضر، فرض لها الحاكم فيه وباع عروضه إن لم يكن له عين، ولا تطلب بحميل بذلك.
وقال عبد الملك: يفرض لها في مال زوجها الغائب بعد أن تحلف بالله الذي لا إله إلا هو لما ترك عندها نفقة، ولا أرسلها إليها، ولا وضعتها عنه.
فإن لم يكن له مال حاضر، لكن عرف ملاؤه في غيبته، فرض لها عليه، وكان ذلك ديناً عليه، تأخذه به إذا قدم.
الفرع الثالث:
إذا تنازعا في كونه معسراً في حال الغيبة. فقال ابن القاسم: إن قدم معسراً وقال: ما زلت كذلك منذ غبت، فهو مصدق مع يمينه حتى تقوم بينة. وإن قدم موسراً، وادعى أنه كان معسراً، لم يقبل قوله إلا ببينة.
وفي العتبية عن ابن كنانة وسحنون: إذا قدن وقال: كنت معسراً في غيبتي، فالقول قوله، وعلى المرأة البينة.
وقال ابن حبيب: الغائب أبداً من أهل النفقة، حتى يقيم بينة أنه عديم يوم خرج، أو أعدم من وقت يذكره.
وإذا خرج على حال من يسر أو إعسار، فالأصل اعتبارها، والبينة على من ادعى خلافها منهما. فإن أشكل أمره يوم خرج، فعليه البينة أنه معدم في غيبته.
الفرع الرابع:
إذا قدم الغائب، فطالبته بالنفقة،فادعى أنه ترك لها نفقته أو كان يرسلها إليها، فالقول قوله مطلقاً في قول. وقولها في ثان، والمشهور والتفضيل:
فإن كانت رفعت أمرها إلى الحاكم، فالقول قولها. وإن لم تكن رفعت، فالقول قوله.
فأما الحاضر، فمتى ادعى قبضها النفقة لماضي الزمان، فالقول قوله الشهادة العرف له.

.الباب الثاني في مسقطات النفقة:

وقد تقدم أن وجوب النفقة بالعقد والتمكين، فإن امتنعت من التمكين لم تجب النفقة. ولو لم يظهر تمكين ولا امتناع، ففي إنزالها منزلة الممكنة، أو الممتنعة خلاف. وتسقط بالنشوز بعد التمكين. وروي أنها لا تسقط به.
وإذا فرعنا على الرواية المشهورة، فموانع النفقة أربعة:
المانع الأول: النشوز، ومنع الوطء والاستمتاع نشوز، والخروج بغير إذنه نشوز، وبإذنه ليس بنشوز.
وفي كتاب محمد: وإذا غلبت امرأة زوجها فخرجت من منزله وأبت أن ترجع، وأبى أن ينفق عليها حتى ترجع، فأنفقت من عندها، قال مالك: فلها أتباعه بذلك.
قال عيسى في العتبية عن ابن القاسم: وكذلك لو حلف بطلاقها واحدة أو البتة إن أرسل إليها حتى تكون هي التي ترسل أو تأتي، فعليه النفقة ما أقامت. ولو شاء لنقلها.
قال الشيخ أبو الحسن: إنما ذلك إذا كان قادراً على ردها، فأما لو عجز عن ردها لسقطت نفقتها عنه بنشوزها. وتجب النفقة للرتقاء والمريضة والمجنونة، فإن هذه أعذار دائمة.
المانع الثاني: الامتناع. فإذا امتنعت عن الزفاف بغير عذر لم تجب لها نفقة كما تقدم.
فإن كانت مريضة يضر بها الوطء، فمعذورة، ولا يؤتمن الرجل في قوله: لا أطأها. وإن أنكر كون الوطء مضراً ثبت ذلك بقول امرأتين ولا يثبت بقول واحدة.
المانع الثالث: الصغر. وإذا زوجت صغيرة من بالغ، فلها النفقة إن كان مثلها يوطأ، ودعته للدخول. وإن كان لا يوطأ مثلها، فلا نفقة عليه. وإن زوجت بالغة من صغير، فلا نفقة لها حتى يبلغ. وإن زوجت صغيرة من صغير، فلا نفقة لها حتى يبلغ الزوج، وتطيق هي الوطء.
المانع الرابع: العدة، والمعتدة المطلقة إن كانت رجعية فلها النفقة. وأما البائن فلها السكنى، وليس لها نفقة، إلا أن تكون حاملاً.
فرع:
يجب تعجيل النفقة قبل الوضع بظن الحمل، بظاهر الآية، فإن بان أن لا حمل استرد. وقيل: لا يسترد.
وروي: إن أنفق بقضية رجع عليها، وإن أنفق بدعواها، أو بقول القوابل لم يرجع بشيء.

.الباب الثالث: في الإعسار بالنفقة:

وهو مثبت لحق الفسخ لمن توجهت لها المطالبة بالنفقة:
ثم النظر في أطراف:
أحدها:

.في العجز:

ونعني به أن يعجز عن القوت بالفقر، وهذا إذا فقد ما ينفق جملة.
وكذلك حكم الكسوة. فإن وجد يسيراً ولا يسد مسداً، فذلك يثبت حق الفسخ، فإن سد مسداً، وكان قدر ما يمسك الحياة والصحة، فحكى الشيخ أبو الطاهر في الفسخ قولين.
وقال ابن حبيب: إذا لم يجد غير الخبز وحده، وما يواري عريتها، ولو بثوب واحد، قال مالك: من غليظ الكتان، لم يفرق بينهما، كانت غنية أو فقيرة، فإن عجز عن هذين أو عن أحدهما فرق بينهما بطلقة.
فإن وجد في العدة يساراً بيناً مما يقدر فيه على رزق شهر بشهر، وما تستوجب من اللباس والوطاء، فله الرجعة.
وإن لم يجد إلا مثل عيش يوم بيوم، وما يواري عريتها، فلا رجعة له. وهذا فيمن الفرض عليه شهراً بشهر.
قال: فأما من كان الفرض عليه بالأيام، والذي به كانت تعرف حاله، فله الرجعة بوجود ما لو وجده أولاً لم تطلق عليه. قال: وقاله ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب.
وأما الغائب عن زوجته، ولا مال له ينفق عليها منه، فهل تطلق عليه بذلك أم لا؟ فيه قولان للمتأخرين.
وقال الشيخ أبو الطاهر: والأكثر على الفراق. قال: وهو أصل المذهب.
وقال الشيخ أبو الحسن: لا يفرق على الغائب، لأنه لم يستوف حجته. والمسألة خلافية. والقادر بالكسب كالقادر بالمال، والعجز عن الإدام لا يؤثر، ولا العجز عن الصداق بعد الدخول، ولا يؤثر العجز عن نفقة الزمن الماضي، بل ذلك دين مستقر في ذمته، فرضه القاضي أو لم يفرضه.
الطرف الثاني:

. في حقيقة هذا الفسخ:

وهو طلاق. فترفع أمرها إلى القاضي حتى يأمره أن ينفق أو يطلق، فإن أبى طلق عليه القاضي طلاقاً رجعياً، لكن الرجعة موقوفة على الإيسار، فإن راجع وأنفق قبل انقضاء العدة صحت الرجعة، وإن انقضت قبل أن يقدر على الإنفاق بانت منه.
الطرف الثالث:

.في وقت إيقاع الطلاق عليه:

وقد اختلفت الأقوال في التلوم في ذلك.
فقال في المبسوط: يؤخر اليوم ونحوه مما لا يضر بها الجوع.
وقال في كتاب محمد: ما علمت أنه يضرب له أجل إلا الأيام. ثم قال: ولا أعلم له أجلاً.
وقال محمد: الذي عليه أصحاب مالك في التلوم أشهر ونحوه.
وقال ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: الشهر والشهران.
وقال أصبغ: إن لم يطمع له بمال، فالشهر إذا لم تجد هي ما تنفق، ثم إذا انقضت مدة التلوم على الخلاف فيها، ولم يقدر على الإنفاق طلق عليه.
فرع:
روى عبد الملك فيمن كان في حال والتزويج فقيراً معسراً، لا يجزي مثله على النساء نفقة لفقره، فتزوجته عالمة بذلك راضية به، فلا قيام لها.
وقال في كتاب محمد: وإن علمت أنه فقير عند نكاحه إياها، فلها ذلك، إلا أن تعلم هي أنه من السؤال قبل نكاحه، فلا حجة لها.
وقال في المبسوط: إذا تزوجته عالمة بفقره حالة العقد، فلا تطلق عليه، أرأيت لو تزوجت رجلاً من أهل الصفة، أكان يطلق عليه؟

.السبب الثاني للنفقة: القرابة:

وفيه بابان:

.(الباب) الأول: في شرائط الاستحقاق وكيفية الإنفاق:

وفيه فصول:

.(الفصل) الأول: في شرائط الاستحقاق:

والمستحقون صنفان: أولاد الصلب، الأبوان. ولا يتعدى الاستحقاق إلى أولاد الأولاد،
ولا إلى الجدات والأجداد، بل يقتصر على أول طبقة من الفصول والأصول.
ويشترط في المستحق الفقر والعجز عن التكسب. وتختص الأولاد بزيادة شرط الصغر على تفصيل يأتي في الإناث.
ويشترط في المستحق عليه أن يكون موسراً بما يزيد على مقدار حاجته. ولا يباع عليه عبده وعقاره في ذلك إذا لم يكن فيهما فضل عن حاجته لهما. ولا يلزمه الكسب لأجل نفقة القريب. ولا تشترط المساواة في الدين، بل ينفق المسلم على الكافر، والكافر على المسلم.
ثم تستمر النفقة باستمرار شروطها، فلا تنتهي في حق الأبوين إلا بحدوث الموت أو المال. وتنتهي في ذكور الولد ببلوغهم أصحاء، فأما من بلغ منهم ذا زمانة لا حراك به، أو أعمى، أو مغلوباً، أو كان زمناً تمنع من السعي، فلا تسقط نفقته بالبلوغ، بل تستمر.
وقيل: تنتهي النفقة عليهم بالبلوغ على أي حال كانوا. ولو بلغوا أصحاء فسقطت نفقتهم، ثم طرأ عليهم ما ذكرنا، لم تعد النفقة عليه.
وقال عبد الملك: تعود النفقة عليه.
ولا تنتهي في الإناث من الولد حتى يتزوجن، وتترتب النفقة لهن على أزواجهن، ثم إن طلقن بعد سقوطها عن الآباء فلا تعود عليهم إلا أن يعدن غير بالغات. ويستحق الأب نفقة زوجته كنفقته.
وقيل: لا تجب على الولد نفقتها، إلا أن تكون أمه. وفي استحقاقه الإعفاف على الولد خلاف تقدم.

.الفصل الثاني: في كيفية الإنفاق:

ولا تقدير في ذلك، بل يجب مقدار الكفاية، ويحال في ما يعطيه من النفقة وما يتبعها من المؤونة والسكنى والكسوة على العوائد.
ولا تستقر في الذمة، بل تسقط بمرور الزمان، إلا أن يفرضها القاضي، بخلاف نفقة الزوجة.
فرع:
حيث خوطب الأب بالإنفاق على ولده، فامتنع، فللأم أخذ النفقة من ماله.
ويجب على الأم أن ترضع ولدها، إذا كانت تحت أبيه، إلا أن يكون مثلها لا يرضع لسقم أو قلة لبن، أو لشرف وعلو قدر، فذلك على الأب، إلا أن لا يقبل غيرها فيلزمها إرضاعه.
وكذلك لو كان الأب عديماً، ولو لم يكن لها حينئذ لبن، لم يلزمها أن تستأجر له.
وفي كتاب محمد: عليها أن تستأجر له، ولو كان الأب عديماً ووجد من يرضعه له مجاناً، أو بدون أجرة المثل، وطلبت الأم أجرة المثل، كان القول قول الأب، إلا أن ترضعه الأم كذلك. ولو كان الأب موسراً وقال: وجدت من يرضعه سوى الأم مجاناً، وطلبت الأم الأجر فالقول قولها.
قال أبو القاسم بن الكاتب: إلا أن يجد من يرضعه عند أمه، فله ذلك. وكذلك إن وجد من يرضعه بدون ما رضيت به الأم، إذ إنما يراعي حقها في الحضانة.
فرع:
حيث استؤجر للولد من ترضعه غير الأم، فيستحب أن تكون ذات عقل وعفاف عن الفاحشة، سالمة من العيوب التي يتقى حدوث مثلها بالمرتضع. فتتوقى الحمقاء والفاجرة لأن اللبن يغير الطباع. وقد جاء الحديث بالنهي عن هاتين.
وينبغي أن تتوقى الجذماء. وبالجملة فكل عيب يخاف منه أن يغير جسم الولد أو طباعه.
والمنصوص أنه لا تسترضع الحامل، وتنفسخ الإجارة إن استؤجرت ثم حملت.
وحكى أبو الحسن اللخمي قولاً ثانياً بجوازه.

.الفصل الثالث: في اجتماع الأولاد:

تختص النفقة بالموسر منهم. فإن كانوا كلهم موسرين، أو جماعة منهم، كانت النفقة على كل موسر.
واختلف في كيفية التوزيع، فقال أصبغ: بالسوية. وأشار محمد إلى أنها على قدر اليسار والجدة.
وقال مطرف: على قدر مواريثهم إذا كانوا أطفالاً لا يلون أموالهم بأنفسهم، فيكون على الذكر مثلاً ما على الأنثى لأنها إنما وجبت في أموالهم.

.الباب الثاني: في الحضانة:

وفيه فصول:

.الفصل الأول: في صفات الحاضنة:

فنقول: الحضانة ولاية وسلطنة، لكنها بالإناث أليق لزيادة الشفقة، فالأم أولى من الأب، وإن كانت المؤونة على الأب. لكن بشرط أن تكون الأم عاقلة، ولا يشترط كونها مسلمة على المشهور، بل للذمية من الحضانة ما للمسلمة إن كانت في حرز، وتمنع أن تغذيهم بخمر أو خنزير، فإن خيف أن تفعل بهم ذلك ضمت بهم إلى ناس من المسلمين. وروى ابن وهب: أن لا حضانة لها.
ولا تشترط الحرية. بل للأمة حضانة ولدها من زوجها عبداً كان أو حراً. ويشترط كون الحاضنة أمينة، إذ لا يوثق بالفاسقة.
ويشترط أيضاً كونها فارغة، فإن كانت متزوجة، أو نكحت ودخلت، بطل حقها، إلا إذا كان الزوج جد الطفل، فإنها لا تسقط حضانتها.
وقال ابن وهب: تسقط.
قال أصبغ والحارث بن مسكين: العمل على ما قال مالك، ولا يؤثر رضى الزوج، ولا يرجع حقها إن طلقت. وقيل: يرجع.
وإذا كانت في مسكن الزوج، فللزوج أن لا يرضى بدخول الطفل داره، ومهما امتنع الأولى أو غاب، انتقل حق الحضانة إلى البعيد، لا إلى السلطان.
ويسقط حق الحضانة أيضاًَ الخوف على الولد في بدنه أو أخلاقه في الحال أو المال.
فرع:
اختلف في حق الحضانة، هل هو للولد أو للوالدة؟ فيه روايتان. وخرج الشيخ أبو الطاهر عليهما الخلاف في الأم إذا كانت ملية، والولد كذلك هل تستحق في ماله نفقة أو أجرة أم لا؟، فبنى نفي الاستحقاق على إثبات الحق لها، وثبوته على ثبوت الحق له. ثم تكون النفقة إذا استغرقت أوقاتها بالحضانة أو تفرغت إليها، وتكون الأجرة إذا لم تستغرق أوقاتها بذلك.
أما صفة المحضون، فهو أن لا يستقل كالصغير والمجنون والمعتوه. ثم الأم أولى بالصغير الذكر إلى حيث يبلغ الاحتلام. وقيل: إلى حيث يثغر.
وقال ابن الماجشون: إذا استغلط أو قارب الاحتلام، وأنبت واسود إنباته، فللأب ضمه إلى نفسه. وفي الصغيرة حتى تتزوج، ويدخل بها زوجها.
وإذا سافر ولي الطفل أباً كان أو غيره سفر نقلة، سقط حق الأم وغيرها من الحضانة إن كان السفر بعيداً، وله أخذ الصغيرة منها وإن كان يرضع، إلا إذا رافقته في الطريق. وليس له ذلك في سفر النزهة ولا في التجارة وإن طالت المدة.
وليس للأم أن ترحل بالولد عن مكان وليه، إلا إلى المكان القريب الذي يمنع الأب من خروج الولد معه إليه لقربه وإن قصد استيطانه.
فرع:
قال محمد: وأقصى ما للأب أن ينتجع بولده وأقر به، والذي لا ترتحل إليه الأم بالولد عن عصبتهم، المكان الذي لا يكاد يصل خبرهم، وأقرب ذلك ستة برد، قاله مالك في المرحلتين.
وقال أصبغ: إذا انتجع من الإسكندرية إلى الكريون فله الرحلة بهم. قال محمد: وهذا قريب قدر بريدين، ولم أسمع من قاله، وإنما أصبغ. ولم ير أشهب للأم أن ترتحل به إلى ثلاثة برد.

.الفصل الثاني: في اجتماع الحواضن:

والنظر في أطراف:

.(الطرف) الأول: في النسوة:

والأم أولى من سائرهن بالحضانة، ثم أمها، ثم جدة الأم لأمها، ثم الخالة. واختلف في خالة الخالة، هل هي كالخالة عند فقدها أم لا؟. ثم الجدة للأب، ثم جدة الأب لأبيه، ثم الأخت، ثم العمة، ثم بنت الأخ.

.الطرف الثاني: في الذكور:

وأولاهم الأب، ثم الأخ، ثم الجد، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم ابن العم. ثم اختلف في المولى الأعلى والأسفل، هل لهما حق في الحضانة أم لا؟

.الطرف الثالث: في اجتماع الذكور والإناث:

ولا شك في تقديم الأم وأمها على جميع الرجال. وتقدم جميع النساء على من عدا الأب من الرجال. فأما الأب ومن بعد الجدة للأم، فقد اختلف أيهم يقدم:
فمذهب الكتاب أنه يقدم على من سوى الأخت. وقيل: إن جميع النساء مقدمات عليه. وقيل: إنه لا يقدم عليه إلا الأم والجدة. وقيل: إن الخالة مقدمة عليه، وهو مقدم على أمه ومن بعدها.
فروع: الأول: في الوصي، وقد نصوا في الروايات على أنه مقدم على جميع العصبة.
قال الشيخ أبو الطاهر: وينبغي أن يجري الأمر فيه على قولين كما تقدم. قال: وقد أشرنا في الصلاة على الجنازة، وفي ولي النكاح إلى ما يقتضي الخلاف في هذا الأصل، وهو أن هذه الحقوق هل تكون كالحقوق المالية، فلمالكها أن يتصرف فيها بالأخذ لنفسه، أو النقل إلى غيره، أو لا تكون كالحقوق المالية، لأنه إنما ملك بسبب موجود فيه، وفي المنقول عنه وليس بموجود في من نقله إليه، فالمنقول عنه أحق بذلك.
الفرع الثاني:
وهو مرتب. إذا قلنا بأنه أحق، فذلك في الذكور. وأما الإناث إذا كبرن، فإن كن ذوات محرم منه، فهو أولى، وإن لم يكن ذوات محرم منه، فهل يكون له حق في حضانتهن أم لا؟ فيه خلاف.
قال الشيخ أبو الطاهر: وينبغي أن يكون خلافاً في حال، فإن كان مأموناً وله أهل، فهو أحق، وإلا لم يكن له حق.
الفرع الثالث:
الأخ للأب، اختلف في أن له حقاً في الحضانة أم لا؟. واختلف أيضاً في أم الولد تعتق، هل تستحق الحضانة نظراً إلى حالها بعد العتق أو لا تستحقها نظراً إلى حالها قبله؟
قال الشيخ أبو الطاهر: والصحيح أنها تستحقها، لأن الأمة تستحق الحضانة على ولدها وإن كان حراً.
الفرع الرابع:
لو كان من ذوي القرابات أو من ذوات القرابة من هو في تعدد واحد، لكان الأولى منهم من هو أكمل صيانة ورفقاً، ولو تساووا في ذلك، فقد قالوا: إن الأسن أولى. ولا شك في أن الأقرب بدرجة، أو الشقيق أولى من الأبعد ومن غير الشقيق كما تقدم.